06 - 07 - 2025

في حضرة الكلمة الإلهية | "وما النصرُ إلا من عند الله"

في حضرة الكلمة الإلهية |

(بمناسبة يوم عاشوراء)

﴿فَأَوحَينا إِلى موسى أَنِ اضرِب بِعَصاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظيمِ﴾ (سورة الشعراء – الآية 63)

في هذه الآية، تتجلّى لحظةٌ فارقة في تاريخ الرسالات، حين التفّت المخاوف من كل صوب، وبدت السنن مقلوبة، لا ملجأ من الموت، والبحر أمامهم والعدو خلفهم، فتجسّدت الكلمة الفصل: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾.

جاء الأمر الإلهي لموسى: "اضرب بعصاك البحر"، فعلٌ بسيط من نبيّ مطيع، فتح أبوابًا لم تكن تخطر على قلب بشر. فانفلق البحر، لا انشقاقًا عاديًّا، بل تحوّل كل "فِرْق" منه إلى طَوْد عظيم، جبلٍ مائيٍّ ثابت، وكأنّ الماء خُلق من جديد صلبًا لا سائلًا.

البلاغة والإعجاز البياني:

كلمة "فَانفَلَقَ" تفيد الانشقاق القوي المصحوب بالسرعة، ولا تُستخدم إلا في التمزقات الحادة، لتصوير المشهد العنيف الذي حدث في لحظة خارقة للعادة.

"كُلُّ فِرْقٍ" تُوحي بأن البحر لم ينشق شقًّا واحدًا، بل عِدّة طُرُق، وهو إعجازٌ هندسيّ بصري.

أما "الطود العظيم" فهو الجبل المهيب، فجاء التشبيه ليحيلنا إلى هيئةٍ لا تتكرر، لا ماء يُرى فيه السيولة، بل ماءٌ كالجبال، منتصبٌ بين الجانبين.

الإعجاز اللغوي:

"اضرب" تحمل معاني الشدة والتوكيد، وتدلّ على فاعلية العصا التي كانت من قبلها تؤدي المعجزات.

تقديم "بعصاك" على "البحر" يُفيد اختصاص الأداة، وكأن العصا لم تُخلق إلا لهذا المقام الجليل.

"فانفلق" فعلٌ ماضٍ مبني للمجهول، والفاعل الحقيقي هو الله، في إشارة إلى قدرة لا تحتاج بيانًا، بل يُكتفى بآثارها.

الإعجاز العلمي:

رغم أن بعض الفرضيات الجيولوجية تتحدّث عن ممرات بحرية ضحلة في خليج السويس، فإن المشهد الذي تصفه الآية يتجاوز كل تفسير علمي؛ فالماء لا يمكن أن يتخذ هيئة "الطود العظيم" إلا بتعطيل نواميس الكون، وهذا هو جوهر المعجزة.

الماء، في طبيعته، لا يثبت قائمًا ولا يتجمّد فجأة دون برودة، لكنه هنا ينقاد لأمر إلهي مباشر، ويمتثل كما يمتثل الجبل لموضعه.

رسالة عاشوراء:

عندما تكون كل السبل مغلقة، وتضيق الأرض بما رحبت، لا يبقى إلا يقين القلوب..

فكما انشقّ البحر لموسى عليه السلام، ينشقّ اليأس للمؤمن، وتنفتح مغاليق الحياة لمن توكل على الله.

إن النصر، كما تثبته عاشوراء، ليس عُدَّة ولا عددًا، بل هو نورٌ يُلقى في القلب، وثقةٌ لا تهتز، وتأييدٌ من الله وحده.
---------------------------
بقلم: خالد أحمد مصطفى

مقالات اخرى للكاتب

في حضرة الكلمة الإلهية |